© syriaintransition.com

Cover image
المقابلات

البعد الأوروبي

حوار مع ميخائيل أونماخت

نوفمبر 2025

مع استعداد الاتحاد الأوروبي لعقد «يوم الحوار» الثاني هذا العام، وهذه المرة في دمشق، يلوح في الأفق نهج أوروبي أكثر نشاطاً تجاه سوريا. غير أن أسئلة أساسية ما تزال مطروحة: متى ستُستأنف العلاقات الدبلوماسية الكاملة؟ كيف يمكن الموازنة بين التعاون مع الحكومة والمجتمع المدني؟ وكيف ينبغي التعامل مع النفوذ الروسي المستمر؟ حول هذه القضايا، أجرت سوريا المتجدّدة حواراً مع ميخائيل أونماخت، القائم بالأعمال في بعثة الاتحاد الأوروبي بدمشق.

في 15 نوفمبر، سيعقد الاتحاد الأوروبي «يوم الحوار» في دمشق بهدف إشراك منظمات المجتمع المدني السوري. في السابق، كانت مثل هذه الفعاليات جزءاً من إطار مؤتمر بروكسل، الذي شمل اجتماعات وزارية وإعلانات عن تعهدات المساعدات الأوروبية. لكن ما الذي يميّز «يوم الحوار» المقبل من حيث الإطار والغاية والمشاركين؟

أونماخت: سيُعقد «يوم الحوار» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) في دمشق، وللمرة الأولى – منذ ما يقارب عشر سنوات على انطلاق هذه المبادرة – داخل الأراضي السورية. لطالما كان المجتمع المدني حاضراً في مؤتمرات بروكسل، ومن هذه الزاوية لم يكن المؤتمر التاسع الذي عُقد في مارس (آذار) 2025 استثناءً.

لكن ما ميّز مؤتمر هذا العام في بروكسل هو أنه شهد، للمرة الأولى على الإطلاق، مشاركة ممثلين عن الحكومة السورية –وتحديداً وزير الخارجية– إلى جانب ممثلي المجتمع المدني السوري. ويُعدّ ذلك تحولاً كبيراً في نهج جميع الأطراف، لم يكن ممكناً لولا سقوط نظام الأسد.

أما الشق الوزاري من مؤتمر بروكسل، الذي انعقد في مارس وجمع الوزراء والشركاء الدوليين والأمم المتحدة، فقد ركّز على التنسيق السياسي وجمع التمويل. وقد أسفر المؤتمر عن تعهدات مالية بلغت 5.8 مليارات يورو.

في المقابل، يمتلك «يوم الحوار» تقليداً مختلفاً، إذ كان دوماً منتدى مخصصاً للمجتمع المدني. وكان من الضروري هذا العام أن يُحتفى بيوم الحوار داخل سوريا، في دمشق تحديداً، من أجل إشراك المجتمع المدني السوري بشكل مباشر في مناقشة قضايا الحوكمة والعدالة الانتقالية والشمولية وغيرها من الملفات ذات الصلة، وذلك بالتنسيق والتعاون الوثيق مع السلطات السورية المؤقتة.

لقد دعم الاتحاد الأوروبي المجتمع المدني السوري منذ زمن طويل، وما زال يحتفظ بشبكات قوية من الشركاء. وفي حين كان كثير من الفاعلين يعملون في المنفى تحت حكم الأسد، فإن هذا اللقاء سيجمع منظمات المجتمع المدني من مختلف أنحاء سوريا، إضافة إلى ممثلين عن الشتات السوري. إنّ تمكُّن هذه الأصوات من الاجتماع أخيراً في دمشق بعد سنوات من القمع يحمل دلالة بالغة الأهمية، إذ يشير إلى اتساع مساحة المشاركة المدنية، وسيكون خطوة أساسية في استعادة الثقة وإعادة ترميم النسيج الاجتماعي.

كما صُمّم هذا اليوم ليكون أيضاً منصة عملية ومفيدة للاتحاد الأوروبي والجهات المانحة، إذ يُبذل جهد كبير لضمان أن تُترجم النقاشات إلى نتائج ملموسة تخدم مسار الانتقال في سوريا.

نحن اليوم – حسب علمي – أكبر تمثيل دبلوماسي غربي في سوريا.

تعمل بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا حالياً من بيروت، ولا تحمل رتبة سفير منذ إجلاء السفارة في دمشق عام 2012 بسبب المخاوف الأمنية وقطع العلاقات مع نظام الأسد. فهل هناك خطط ملموسة للعودة إلى دمشق وتعيين سفير للاتحاد الأوروبي؟ وإن حدث ذلك، هل ستكون أنت هذا السفير؟

أونماخت: بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا تعمل في الأساس من دمشق. فهي لم تُغلق بالكامل في أي وقت، حتى نتمكن من تنظيم المساعدات الإنسانية لكل سوريا ولكل السوريين. زملاؤنا في مكتب المساعدات الإنسانية – «ECHO» – كانوا حاضرين بشكل خاص بعد زلزال عام 2023 لتنفيذ أعمالهم الإنسانية. في الوقت ذاته، لم تكن لدينا علاقات سياسية مع النظام السوري السابق، لأسباب مفهومة تماماً.

لكن هذا الواقع تغيّر جذرياً بعد سقوط نظام الأسد. فمنذ ديسمبر (كانون الأول) 2024، بدأتُ التوجه إلى دمشق لإقامة علاقات وطيدة مع السلطات الجديدة. ومنذ يناير (كانون الثاني) 2025، نحن موجودون بانتظام في دمشق للتواصل مع السلطات والمجتمع المدني. ومنذ ذلك الحين، قمنا بتوسيع وجودنا تدريجياً، ونحن اليوم –حسب علمي– أكبر تمثيل دبلوماسي غربي في سوريا. هذا الوجود أساسي للعمل في المرحلة المقبلة، ويمثّل محطة مهمة في مسار انخراط الاتحاد الأوروبي في سوريا.

عندما بدأتُ مهامي، لم تكن هناك علاقات سياسية مع السلطات (النظام السابق)، ولذلك كان من الطبيعي أن يُسمّى منصبي «قائم بالأعمال» لا «سفير». لكن نظراً للتغيّرات الكبيرة التي شهدها الوضع على الأرض، فإن مسألة تحويل المنصب رسمياً إلى رتبة سفير ستُطرح بلا شك. وفي هذا الشأن، سننسّق مع شركائنا داخل الاتحاد الأوروبي، ومع السلطات السورية أيضاً، وفق القواعد الدبلوماسية الخاصة باعتماد السفراء بين الدولة أو المنظمة المرسلة والدولة المضيفة.

التحول النوعي الكبير منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024 هو أننا بدأنا نتعامل بعمق مع المؤسسات الحكومية.


تعمل بعثة الاتحاد الأوروبي في دمشق ضمن بيئة شديدة التعقيد، إذ تسعى للتنسيق مع المؤسسات الحكومية من جهة، والحفاظ على انخراطها مع المجتمع المدني والشركاء المحليين من جهة أخرى. فكيف توازن البعثة بين هذه العلاقات المتباينة على أرض الواقع؟ وما النتائج الملموسة أو التحولات السياسية التي يأمل الاتحاد الأوروبي تحقيقها من خلال تجديد وجوده داخل سوريا؟

أونماخت: إن عمل بعثة الاتحاد الأوروبي في دمشق يشبه إلى حد كبير عمل بعثات الاتحاد في بقية دول العالم، أو عمل السفارات التابعة للدول الأعضاء في بلدان أخرى. نحن نتواصل مع السلطات الانتقالية السورية، ومع المجتمع المدني، ومع المجتمعات المحلية ووسائل الإعلام والفاعلين الاقتصاديين. هذا الانخراط ليس متنافساً، بل مكمّلاً لبعضه بعضاً.

لقد شكّل دعم المجتمع المدني محوراً رئيسياً في انخراط الاتحاد الأوروبي مع السوريين ومع سوريا لأكثر من عقد من الزمن، وسنواصل هذا الدعم لأننا نؤمن بأن للمجتمع المدني دوراً أساسياً في مسار الانتقال. وأنا مقتنع تماماً بأن هذا هو أيضاً قناعة السلطات السورية نفسها. ويُعدّ «يوم الحوار» الذي أُقيم هذا العام للمرة الأولى في دمشق، دليلاً حياً على ذلك. فقد شهدنا خلال الأشهر الماضية تعاوناً بنّاءً للغاية مع شركائنا في الحكومة – ولا سيما وزارتي الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل – ومع شركائنا من منظمات المجتمع المدني لإنجاح هذا الحدث.

التحول النوعي الكبير منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024 هو أننا بدأنا نتعامل بعمق مع المؤسسات الحكومية. وبعبارة صريحة: قبل 8 ديسمبر كنا نعمل ضد نظامٍ سوري، أما اليوم فنحن نعمل مع حكومة انتقالية سورية. هدفنا هو المساهمة في إنجاح عملية الانتقال الصعبة، وأنا مقتنع تماماً بأن هذا لن يتحقق إلا إذا كانت العملية شاملة ومنفتحة على الجميع.

من هذا المنطلق، نحن نؤمن بضرورة تنفيذ «الإعلان الدستوري» وخطة الانتقال الممتدة لخمس سنوات، ونسعى لدعم الهيئات المستحدثة –بما في ذلك «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» و«اللجنة الوطنية للمفقودين» و«اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب»– مع الاستمرار في تمكين أصوات المجتمع المدني داخل سوريا وفي الشتات، لضمان مشاركتهم العملية في الحوكمة والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

وفي تواصلنا مع السلطات الانتقالية، نؤكد مراراً على أهمية الإشراك الحقيقي، وتحسين الوضع الأمني العام، والحفاظ على فضاء مدني تعددي كشرط أساسي للنجاح. ويتم ذلك من خلال حوار صريح ومفتوح ومتواصل.

كما نؤكد أهمية المساءلة عبر الدعوة إلى تحقيقات نزيهة تقوم بها آليات وطنية ودولية، بما في ذلك «لجنة التحقيق الدولية المستقلة»، ونحث الحكومة الانتقالية على متابعة توصيات تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول الأوضاع في الساحل والمناطق الغربية الوسطى من سوريا.

إن هذه الأهداف متكاملة ومتبادلة التعزيز، ووجودنا في دمشق يتيح للاتحاد الأوروبي الدفع نحو التقدم في جميع هذه المسارات ودعمها على نحو فعّال.

نواصل رصد تحركات روسيا في سوريا عن كثب ونبقى شديدي اليقظة.

كان لقاء الرئيس أحمد الشرع بفلاديمير بوتين أحدث إشارة إلى أن روسيا ستُبقي حضورها العسكري في سوريا وتواصل احتفاظها بقدرتها على التأثير في الحكومة الجديدة عبر صفقات الطاقة وتوريد السلاح وقنوات أخرى. فهل تضمّنت مهمّتكم تقليص النفوذ الروسي أو حتى إزالته؟ وإن لم تتضمّن، فلماذا؟ وإن كانت كذلك، فما الذي أخفق؟

أونماخت: ليس من سياسة الاتحاد الأوروبي التدخّل في قرارات السياسة الخارجية لدولةٍ ثالثة. يدعم الاتحاد الأوروبي انتقالاً سورياً خالصاً تقوده وتملكه سوريا نفسها، على أن تحترم جميع الأطراف الخارجية سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها. لذلك نعمل بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والفاعلين الدوليين، ونحافظ على تواصلٍ وثيق مع نظرائنا في سوريا وفي عموم المنطقة.

وفي الوقت نفسه، نواصل رصد تحركات روسيا في سوريا عن كثب ونبقى شديدي اليقظة، بما في ذلك متابعة التقارير التي تفيد بأن روسيا ومجموعات مدعومة من إيران ربما أسهمت في أعمال العنف في الساحل في مارس (آذار).

كما نذكّر بأن روسيا كانت الشريك الرئيسي لنظام الأسد في قمعه الوحشي خلال النزاع. ونهجُنا يجمع بين الدفع نحو عملية انتقالية مستقرة وخاضعة للمساءلة وشاملة، تقودها سوريا نفسها، مع الاحترام الكامل لوحدة سوريا واستقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها.


المقابلات

اشترك ليصلك آخر أعداد مجلة سوريا المتجدّدة إلى بريدك الإلكتروني.

* يشير إلى الحقول المطلوبة
العربية