هل تتحوّل قسد إلى صداعٍ مزمن لسوريا والمنطقة؟

25. ديسمبر 2025

إنّ دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، ولا سيما ضمن الجيش السوري الجديد، هو مسار أعقد بكثير من مجرد تنفيذ اتفاق آذار أو أي اتفاق مشابه. فهذه العملية لا تتوقف عند نصّ الاتفاقات أو آلياتها الإجرائية، بل تتداخل فيها أطراف متعددة، وتتشابك حولها احتمالات مختلفة، بل ومتعارضة في كثير من الأحيان.

على الورق، جرى توقيع اتفاق آذار بين الحكومة الانتقالية وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وسط ضجيجٍ إعلامي محلي ودولي. أمّا في الواقع، فقد وُلد الاتفاق ميتاً، وافتقرت بنوده لتفاصيل جوهرية، بما يجعلها أقرب إلى إيماءة سياسية لكسب الوقت منها إلى خريطة طريق حقيقية لعملية الدمج.

كما أنّ مسألة إدماج قسد في سوريا الجديدة لا تقتصر على هذين الطرفين وحدهما، بل تتقاطع مع الهواجس الأمنية لتركيا، والمصالح الاستراتيجية لكلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل.

واليوم بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التي اعتبر فيها التنسيق الإسرائيلي مع قسد عاملاً أساسياً في عرقلة التقدّم بتنفيذ الاتفاق، دخل الملف مرحلة جديدة من الغموض وصعوبة التطبيق. فإدخال إسرائيل صراحةً إلى المعادلة جعل للاتفاق تداعيات مباشرة على الأمن القومي لـتركيا، وعلى سيادة سوريا ووحدتها.

ويثير هذا التحوّل مخاوف جدّية حيال طبيعة أي اتفاق مستقبلي، ولا سيما في مشهدٍ مكتظّ بأطراف قادرة على التعطيل. فأي خطوة باتجاه دمج قسد – أو مواجهتها – تنطوي على أخطار استراتيجية عالية. وطالما هناك احتمال تقديم دعم لوجستي إسرائيلي، فإنّ أي تصعيد عسكري قد يفتح جبهات موازية في الساحل والسويداء، وهي مناطق سعت قسد إلى تحريكها. وبمجموعها، ترفع هذه العوامل سقف الرهانات إلى مستوى غير مسبوق.

انحسار الخيارات وعمق الأزمة

إنّ حالة الجمود التي تحيط باتفاق آذار تُضيّق فعلياً هامش الخيارات المتاحة أمام سوريا في كيفية التعاطي مع قوات سوريا الديمقراطية. فإمّا أن يتّجه المسار نحو اتفاق جديد وحازم يفضي إلى دمج فعلي لـ«قسد» في سوريا الجديدة، وهو خيار لا يبدو ممكناً إلا في ظل ضغط مستمر من الولايات المتحدة، وإمّا أن ينزلق نحو سيناريو عسكري، قد تقوده تركيا، بناءً على طلب من الحكومة السورية.

من شبه المؤكّد أنّ أي حلٍّ عسكري سيفرز مشكلات تفوق بكثير ما قد يَعِد بحلّه. وحتى لو بدا حاسماً على المدى القصير، إلا أنه على المدى المتوسط أو البعيد لن يساهم إلا بقدرٍ محدود في إزالة خطر ترسيخ نسخةٍ سوريةٍ من حزب العمال الكردستاني، ولا سيما إذا صحّت المزاعم بشأن استمرار استفادته من دعمٍ إسرائيلي.

لقد نجحت العمليات التركية السابقة بالفعل في إخراج قسد من غرب نهر الفرات، وفي الحدّ من تمدّدها الجغرافي. غير أنّ هدف تبنّي استراتيجية عسكرية مماثلة اليوم سيعني المضي نحو تفكيك كامل لقدرات قسد العسكرية، ما يستلزم حملة طويلة الأمد من شأنها أن تقوض هشاشة الاستقرار في سوريا حتى وإن قادتها تركيا.

وبالرغم من أن عملاً عسكرياً واسع النطاق لم يستبعد بالكامل، إلا أنه غير مرغوب فيه في المرحلة الراهنة، سواء بالنسبة إلى سوريا أو تركيا. هذا يوحي إلى احتمال اللجوء إلى عمليات محدودة النطاق، يُرجّح أن تتركز في الرقة ودير الزور بدلاً من القامشلي أو الحسكة. ومع ذلك، قد تشكل هذه العمليات أداة ضغط متجددة واختباراً لمدى استعداد إسرائيل والولايات المتحدة للتدخل. 

تحديات الدمج

فيما يتعلّق بدمج قسد ضمن الجيش السوري نستطيع القول أن العبرة في التفاصيل. فالتحديات الحقيقية لا تتجلّى في مبدأ الدمج بحدّ ذاته، بل في كيفية تنفيذ نزع السلاح والإدماج عملياً، وعلى أي أسس، وبأية آليات، وتحت أي سلطة.

تصرّ تركيا على أن يتمّ الدمج على أساس فردي، بحيث يُستوعَب المقاتلون حالةً بحالة، لا عبر نقل وحدات عسكرية متكاملة كما هي. في المقابل، تسعى قسد إلى دخول هياكل الدولة بوصفها تشكيلات منظّمة سلفاً، ذات أدوار محدّدة.

لكنّ حالة الاشتباك لا تقتصر على محور دمشق–أنقرة من جهة وقسد من جهة أخرى. فثمة خلافات داخل قسد نفسها حول مبدأ الدمج من أساسه، إذ يلقى مسار الإدماج رفضاً واسعاً في صفوفها. ذلك أنّ قسد ليست قوة متجانسة؛ بل تضم تشكيلات عسكرية متعددة، وتيارات أيديولوجية مختلفة، وكوادر مرتبطة بجهات خارجية، إلى جانب وحدات شديدة المؤسسية، مثل وحدات حماية المرأة. وهذه المكوّنات لا يمكن استيعابها بين ليلة وضحاها ضمن جيش مركزي، من دون المخاطرة بإنتاج تشكيلات مسلّحة غير رسمية.

عناصر «قسد» المرتبطون بـ«حزب العمال الكردستاني»

جدّد وزير الدفاع التركي يشار غولر التأكيد على تنقية قسد من العناصر المرتبطة بـحزب العمال الكردستاني قبل أي عملية دمج، وهو شرط من شأنه أن يستبعد مجنّدين حديثين، فضلاً عن كوادر قديمة تتجاوز ارتباطاتها التنظيمية الساحة السورية. ومع اتساع دائرة الاستبعاد تبقى كيفية تنفيذ هذه العملية والجهة التي ستتولاها مسألة مفتوحة. والخطر يكمن في أنّ استبعاد أعداد كبيرة قد يفضي إنتاج تجمعات مسلحة منظمة خارج إطار الدولة وسيطرتها، ما يحمل مخاطرة إعادة إنتاج جيوب توتر يصعب ضبطها لاحقاً.

وفوق ذلك، تبرز التحديات التقليدية المرافقة لدمج خصوم سابقين ضمن بنية عسكرية واحدة، بما في ذلك مسألة العقيدة التي ستحكم القوة الجديدة، والجهة التي ستؤول إليها الولاءات. وفي هذا الإطار، ينبغي أن تنصبّ الاعتبارات الأساسية على تخطيطٍ دقيق لعمليات نزع السلاح، والتسريح، والإدماج التدريجي المرحلي.

الدولة أو الاستعصاء

كما أنّ للسياق الأوسع أهميته الخاصة. فاستكمال تشكيل مجلس الشعب الجديد وضمان حقوق متساوية للأكراد، من شأنه أن يقطع شوطاً كبيراً في إضفاء المصداقية على أي مسار اندماج. وبينما أبدت دمشق إشارات انفتاح على هذا التوجّه، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت قسد مستعدّة لإظهار إرادة حقيقية مماثلة. فعوضاً عن ذلك، عمدت الأخيرة إلى إشعال جولات دورية من الاشتباكات والاضطرابات مع كل دورة تقريباً من محادثات الدمج، كان آخرها في حلب. وبالقدر نفسه، يبقى غير محسوم ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل على استعداد فعلي لتقليص رعايتهما لـ«قسد».

إنّ مسألة كيفية التعاطي مع قوات سوريا الديمقراطية ليست أزمة قصيرة الأمد؛ فأي مسار محتمل يمثّل اختباراً طويل الأمد لإعادة بناء الدولة السورية، وقد يتحوّل إلى نموذجٍ نجاح بارز، أو إلى صداعٍ مزمنٍ لا ينتهي.

العودة إلى الأعلى
Cover image

صبا ياسر مدور

إعلامية وباحثة سورية

اشترك ليصلك آخر أعداد مجلة سوريا المتجدّدة إلى بريدك الإلكتروني.

* يشير إلى الحقول المطلوبة
العربية